ما هي الزبونية؟
هناك ثلاثة عناصر مميِّزة لظاهرة الزبونية.
أولاً، تقوم المسألة على مبدأ الصفقة: أي صوت الناخب مقابل خدمة معينة؛ وقد تهم هذه الخدمة الممتلكات العمومية أو الخاصة على حد سواء.
ويتجلى العنصر الثاني في استمرار هذه العلاقات وتكرارها، إضافةً إلى أن هذه المعاملات تتم بمساعدة وسيط انتخابي، أي سمسار.
إذن هذه هي العناصر الثلاثة التي تُميز الزبونية.
لماذا تُمثل الزبونية مشكلة حقيقية؟
تطرح الزبونية مشكلة على مستويين:
- أولاً على مستوى توزيع الممتلكات العمومية وإعادة توزيعها بين الحكومة والمواطنين والقطاعات الترابية المختلفة.
- وثانياً على مستوى الفساد.
وهنا سأقدِّم شرحاً حول هذه النقطة,أولاً فيما يخص إعادة توزيع الممتلكات العمومية:
إن إنشاء المستشفيات والمدارس والطرق وغيرها ينبغي أن يكون مرتكزاً على الاحتياجات الحقيقية للساكنة. ولكن هذا لا يحدث ضمن الأنظمة الزبونية، حيث يكون الارتكاز على أصوات الناخبين وليس احتياجاتهم.
بمعنى أنكم إذا قمتم بالتصويت لصالح مرشح معيَّن، فإنه سيكافؤكم مقابل ذلك بإنشاء طريق أو مدرسة أو ما شابه.
ولكن حتى إن كان ذلك في خدمة الصالح العام للبلاد، فأنتم لستم على رأس الأولويات، أي لستم في حاجة لهذه المشاريع أكثر من غيركم.
إذن هذه الإشكالية موجودة وهي تثير كذلك مشكلة عدم الفعالية، التي تتجلى في سوء توزيع موارد الدولة على القطاعات الترابية المختلفة.
وفي بعض الأحيان يتخذ هذا الأمر شكل ما يعرف بـ”الفيل الأبيض”، أي عندما يتم بناء منشآت – مثل المطارات – في مناطق لا تكون الساكنة في حاجة إليها، أو محطات كهرومائية لا تعمل لأن الهدف منها هو فقط إثارة إعجاب الناخبين حتى يصوتوا للشخص المسؤول عن بنائها مرة أخرى.
أما المشكلة الثانية فهي مطروحة على مستوى الفساد. فعندما يقدم الوسيط الانتخابي خدمات ما للمرشح، ويكون المرشح قد وعده بمنصب سياسي مقابل هذه الخدمات، فإن الوسيط تُسند إليه إثر ذلك مهمة تسيير أحد القطاعات الحكومية ويصبح متحكماً في هذا القطاع بشكل تام، سواء تعلق الأمر بوزارة أو بهيئة الاتصالات مثلاً، ويكون ذلك مصحوباً برسالة ضمنية مفادها: “هذه فرصتك لتجني عائدات استثمارك، فهذه مكافأتك على ما قدمتَه من خدمات”. وهي دعوة غير مباشرة لممارسة الفساد.
هناك مشكلتان إذن:
المشكلة المتعلقة بسوء توزيع الموارد على المستوى الوطني، حيث نجد أن السكان المحتاجين إلى مدرسة لا يحصلون عليها لأنهم لم يصوتوا لفائدة المرشح الذي استلم السلطة.
وهناك أيضاً الفساد الضمني أو القانوني أو المقنَّن بحكم الواقع لأنه جزء من عقد غير مكتوب بين الوسيط والمرشح الذي استلم السلطة.
كيف نحارب الزبونية؟
إن الإشكالية الجوهرية في هذا الصدد تتمحور حول تقليص دور الوسيط من خلال وضع إطار يمَكِّن التواصل المباشر بين جمهور الناخبين والمرشحين.
ومن بين الوسائل التي أثبتت فعاليتها نذكر “حملة القرب”: وهي عبارة عن اجتماعات مصغرة مع الساكنة المحلية في القرى والأضاحي يعقدها شباب بتعيين من المرشح خلال الحملة الانتخابية، حاملين معهم رسالة المرشح للناخبين، ليجمعوا ملاحظات وتعليقات هؤلاء الناخبين ويوصلوها مباشرة إلى المرشح.
إنها نفس الصيغة التي اعتمدها الرئيس أوباما سنة 2008 للفوز بالانتخابات الرئاسية آنذاك، رغم أن هيئة الوسطاء الانتخابيين التابعة للحزب الديمقراطي كانت تحت السيطرة الكاملة لمنافسته، السيدة كلينتون.
إذن هناك عنصران مهمَّان:
أولاً، ضرورة استحداث أرضيات للتواصل المباشر بين الناخب والمرشح، من شأنها أن تَحُدَّ بعض الشيء من دور الوسيط الانتخابي. فكلما تقلص دور الوسيط الانتخابي وقل تأثيره في نتائج الانتخابات، كلما قلَّت الحاجة إلى مكافأته.
ثانياً، يجب جعل عملية “المكافأة” هذه أكثر شفافية، وإعطاء فرصة لأصحاب الكفاءات – الذين هم ليسوا وُسطاء – للحصول على المناصب التي يستحقونها داخل الحكومة أو الوزارات أو الهيئات الحكومية.