مقدمة
في دراسة صادرة سنة 2013، يتناول كل من ميكيل بيليسر (جامعة أيرلندا الوطنية في ماينوث) وإيفا ويغنر (كلية السياسة والعلاقات الدولية بجامعة دبلن) مسألة نمط الاقتراع المعمول به في المغرب وآثاره على الأداء الانتخابي للأحزاب المغربية. حيث صنف الباحثان الأحزاب المغربية الرئيسية إلى ثلاث فئات: أولاً، الأحزاب الإدارية (الحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري، وحزب الأصالة والمعاصرة)؛ ثانياً، أحزاب الكتلة (حزب الاستقلال، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية)؛ ثم ثالثاً، حزب العدالة والتنمية.
ولإثبات العلاقة السببية بين نظام الاقتراع والأداء الانتخابي للأحزاب، استند الباحثان إلى التعديل الذي طرأ على القواعد الانتخابية سنة 2003، وهي السنة التي شهدت إدراج قاعدة العتبة السكانية، أي القاعدة التي يتم بموجبها إجراء الانتخابات الجماعية عن طريق الاقتراع بالأغلبية في المدن التي يقل عدد سكانها عن 000 25 نسمة، وعن طريق الاقتراع بالتمثيل النسبي بناءً على قائمة مغلقة في المدن التي يزيد عدد سكانها عن 000 25 نسمة. وفي سنة 2009 تم رفع هذه العتبة إلى 000 35 نسمة. يُذكر أن الباحثَين يرتكزان على نتائج الانتخابات الجماعية لعامي2003 و2009 (وزارة الداخلية) في كل واحدة من الجماعات المغربية التي يبلغ تعدادها الإجمالي 1538 جماعة، بالإضافة إلى المعطيات الديمغرافية الراشحة عن إحصاءي السكان لسنتي 1994 و2004.
نظام التمثيل النسبي وحصة المقاعد
إن التحديد الكمي لأثر نظام الاقتراع على أداء الأحزاب تمرين أكثر تعقيداً مما قد يبدو عليه الأمر للوهلة الأولى. وعلى وجه الخصوص، فإن مقارنة أداء حزب ما على مستوى سائر المدن التي يزيد عدد سكانها عن 000 35 نسمة وجميع المدن التي يقل عدد سكانها عن 000 35 نسمة ينطوي على قدر من التحيز. فعلى سبيل المثال، الأداء الجيد لحزب العدالة والتنمية في المدن التي يزيد عدد سكانها عن 000 35 نسمة لا يعكس بالضرورة أثر نظام الاقتراع، لكنه قد يشير إلى أن حزب العدالة والتنمية أكثر جاذبية بالنسبة للناخبين في المناطق الحضرية. لكن الباحثَين يتغلبان على هذه الصعوبة عن طريق مقارنة المدن التي يزيد عدد سكانها قليلاً عن 35 ألف نسمة بالمدن التي يقل عدد سكانها قليلاً عن 000 35 نسمة. فهذه المدن متشابهة للغاية باستثناء في نظام الاقتراع، الشيء الذي يسمح بعزل تأثيره السببي عن عوامل أخرى، مثل الخصائص السوسيو-اقتصادية.
وينطبق الأمر عينه على انتخابات 2009، فقد خسرت الأحزاب الإدارية حوالي 5 في المائة من المقاعد في المدن الخاضعة لنظام الاقتراع بالتمثيل النسبي عقب تجاوز عتبة 000 35 نسمة، أي ما يعادل تراجعاً بنسبة الثلث. وعلى العكس من ذلك، استفاد حزب العدالة والتنمية من ارتفاع يناهز 6 في المائة، وبالتالي ضاعف حصته من المقاعد. وتشكل أحزاب الكتلة الاستثناء الوحيد في ظل هذه التوجهات حيث أنها لم تتأثر في سنة 2009.
وبالتالي، تُظهر النتائج أن القواعد الانتخابية تختلف باختلاف نوع الحزب. فالاقتراع القائم على التمثيل النسبي يُخفض حصة مقاعد الأحزاب الإدارية إلى النصف ويضاعف حصة حزب العدالة والتنمية. وتكتسي هذه الفوارق أهمية كبرى بالنسبة لنظام حزبي مجزأ بالقدر الكبير الذي هو عليه النظام الحزبي في المغرب.
خلاصة
تقدم النتائج المعروضة في المقال المشار إليه دلائل على وجود تأثير تفاضلي لنظام التمثيل النسبي حسب نوع الأحزاب المتنافسة. وهو ما يسمح بالتالي بالقول، وفقاً للباحثَين، بأن أنظمة الاقتراع بالأغلبية في المغرب – على عكس أنظمة الاقتراع بالتمثيل النسبي – تفيد الأحزاب الإدارية وتضر بحزب العدالة والتنمية. وبالمقابل، تخدم أنظمة الاقتراع بالتمثيل النسبي حزب العدالة والتنمية ولا تخدم الحركة الشعبية والتجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري وحزب الأصالة والمعاصرة.
وفي محاولة من الباحثَين لاستقراء أسباب هذه الاختلافات يخلصان إلى أنها تُعزى إلى المقاربات المتباينة التي تعتمدها الأحزاب من حيث أساليب إجراء الحملات الانتخابية. حيث تميل الأحزاب الإدارية إلى حملات تتمحور حول راعِ أو مترشح محلي، بينما تلجأ أحزاب الكتلة وحزب العدالة والتنمية إلى برنامج سياسي. وفي نظام الاقتراع بالأغلبية، فإن الناخبين الانتهازيين، أي الذين يولون أهمية أكبر للمزايا التي وعدهم بها راعيهم مقارنة بالمقترحات العامة لبرنامج سياسي معين، يصوتون لفائدة الأحزاب الإدارية. أما في نظام الاقتراع بالتمثيل النسبي، سيكون لهؤلاء الانتهازيين أنفسهم مصلحة أكبر في التحول إلى الأحزاب المرتكزة على برنامج انتخابي. وفي الواقع غالباً ما تكون المنافع التي يقدمها الراعي خاصة بدائرة ما داخل الجماعة، وإذا كان هذا الراعي في أسفل القائمة التي قدمها الحزب فمن غير المرجح أن يحصل على مقعد، حتى ولو تم انتخاب القائمة، ما من شأنه أن يدفع الناخبين – الذين يتوقعون إخفاق راعيهم في الظفر بمقعد – إلى اللجوء إلى الأحزاب التي تقدم برنامجاً سياسياً أكثر تماسكاً، مما يؤدي إلى تراجع أداء الأحزاب الإدارية.
وتجدر الإشارة إلى أن التأثيرات المقدرة في 2009 تكاد تكون بنفس أهمية تلك التي عرفتها سنة 2003. ووفقاً للباحثَين، فإن هذا الأمر يعكس حقيقة أن الأحزاب لم تكن قادرة أو راغبة في تكييف استراتيجياتها بما يتسق مع القاعدة الانتخابية المعتمدة في كل جماعة (الاقتراع بالأغلبية أو بالتمثيل النسبي). وهكذا، مقارنةً بسنة 2003، لم يتوسل حزب العدالة والتنمية سنة 2009 بشبكة من الرعاة من أجل تحسين نتائجه على مستوى الجماعات التي تعمل بنظام الاقتراع بالأغلبية، وبالمثل، لم تضع الأحزاب الإدارية في 2009، مقارنةً بسنة 2003، برنامجاً سياسياً موثوقاً في الجماعات التي يجري فيها الاقتراع بالتمثيل النسبي.
كلمة “طفرة”
مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي القادم، يظل الجدل حول إصلاح القوانين الانتخابية قائماً بين مختلف الأحزاب السياسية، حيث يبرز معسكران: فمن جهة يوجد حزب العدالة والتنمية الذي يريد الحفاظ على الوضع الراهن، ومن جهة أخرى هناك الأحزاب التي ترغب في إصلاح العديد من المقتضيات الانتخابية.
وفي يوليوز الماضي، على سبيل المثال، قدم كل من حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة وحزب التقدم والاشتراكية مذكرة ترمي إلى مراجعة القوانين الانتخابية، مقترحين على وجه الخصوص زيادة الحصة المخصصة للاقتراع الفردي (المرشح الوحيد) من خلال توسيعه ليشمل الجماعات التي يصل عدد سكانها إلى 000 50 نسمة. وذهب الاتحاد الدستوري إلى أبعد من ذلك، حيث اقترح أن يشمل الاقتراع الفردي الجماعات التي يصل عدد سكانها إلى 000 100 نسمة. أمَّا من جهته فيدافع حزب العدالة والتنمية على عكس ذلك تماماً، مقترحاً حصر الاقتراع الفردي في الجماعات التي يقل عدد سكانها عن 000 20 نسمة.
وتسمح نتائج الدراسة بتأويل مواقف هذه الأحزاب، إذ يبدو أن حزب العدالة والتنمية متشبث بالتمثيل النسبي لأن طريقة الاقتراع هذه سمحت له بمضاعفة حصته من المقاعد خلال الانتخابات الجماعية لعامي 2003 و2009، بينما شهدت الأحزاب الأخرى تراجعاً في عدد مقاعدها منذ بدء العمل بالاقتراع وفق نظام القوائم. لذلك، فإنها تقترح توسيع نطاق تطبيق الاقتراع الفردي.
هذا ناهيك عن قضايا أخرى ينقسم حولها هذان المعسكران السياسيان، مثل إصلاح نظام الحصص (الكوتا) الانتخابية أو تخفيض العتبة الانتخابية أو حتى إلغائها.
لمعرفة المزيد
Electoral Rules and Clientelistic Parties: A Regression Discontinuity Approach, DOI: 10.1561/100.00012080