Deprecated: Optional parameter $output declared before required parameter $attr is implicitly treated as a required parameter in /home/taframa/old.tafra.ma/wp-content/themes/voice/core/extensions.php on line 166 العنف ضد النساء: إنجازات ورقية؟ – Tafra

بالرغم من التصريحات الطموحة والسياسات والاستراتيجيات وغيرها من القوانين المعتمدة خلال السنوات القليلة الماضية، يظل العنف ضد النساء متفشياً في المجتمع.

سواء تعلق الأمر بالدستور أو مدونة الأسرة أو القانون الجنائي أو حتى مدونة الشغل، فقد تمت إضافة العديد من الأحكام القانونية التي تسهر على حماية حقوق المرأة خلال السنوات العشرين الماضية. لكن إذا نظرنا للأمور عن كثب، فإن جميع هذه المراجع القانونية ما تزال تتضمن حتى يومنا هذا أحكاماً غير مناسبة بل وتمييزية تجاه النساء، وهو الأمر الذي قد يكون له عواقب مؤسفة على الحياة اليومية لهؤلاء النساء.

وترى الباحثة في مركز حقوق الإنسان بجامعة إيرلندا الوطنية في غالواي، سيلفيا جاجلياردي، أن الإصلاحات التي أجرتها الدولة المغربية منذ 20 سنة لم تغير بشكل ملحوظ التفاوتات الهيكلية التي تعاني منها النساء، وتعتبر أن هذه الإصلاحات تندرج ضمن خطاب مختلف تمت صياغته من طرف بعض المؤسسات لإظهار صورة تقدمية للمملكة لكن دون تغيير الظروف المؤدية إلى ظهور التفاوتات المبنية على النوع الاجتماعي.

وقد قامت سيلفيا جاجلياردي باستعراض الإطار القانوني المغربي المتعلق بأعمال العنف التي تتعرض لها النساء، وبدراسة السياسات المنفذة منذ أواخر التسعينات، ومقارنتها بشهادات حوالي 60 امرأة من فئات سوسيو-اقتصادية متنوعة ومن مختلف مناطق المغرب، تم جمعها خلال مسح إثنوغرافي أجري في سبتمبر وأكتوبر من عام 2016 ومايو من عام 2017.

مساواة على الورق…

لقد تعرضت للعنف قبل طلاقي. الآن ما زلت أتعرض للعنف على يد أبناء زوجي. (…) أخبرتني الشرطة أن الأمر لا يعنيها، وأن الأمر يدخل في اختصاصات المحكمة. ذهبت إلى المحكمة، لكن كما أخبرتكم سابقاً، لم يعيروني أي اهتمام لأن زوجي كان يملك المال وكنت امرأة فقيرة لا أتوفر على ما يكفي من المال، لذلك لم يهتم أحد لأمري (إيمان ، نواحي آيت باها).

إن هذه الشهادة، شأنها شأن جميع الشهادات التي جمعتها جاجلياردي، تكشف الهوة التي تفصل بين الأحكام القانونية، وإن كانت متقدمة، والواقع اليومي للعديد من النساء المغربيات، وهو الأمر الذي يفسر تفشي أعمال العنف ضد النساء وعدم حصول تغيير حقيقي في حياتهن اليومية خلال العشرين سنة الماضية، وذلك رغم الجهود القانونية المبذولة.

حين أتحدث عن العنف، فانا لا أعني فقط العنف الجسدي ولكن أيضاً العاطفي والفكري. (…) فمثلاً عندما نذهب إلى المدرسة، تتم معاملتنا بشكل مختلف لا لشيء سوى لأننا فتيات. إنه العنف المطلق (كريمة من أكادير).

ولا شك أن الدستور الجديد يشدد على المساواة بين الرجل والمرأة، لكن هذه الأحكام لا تطبق إلا “في إطار احترام ثوابت المملكة“. من جهتها، فإن مدونة الأسرة الجديدة (2004) قد قلصت العديد من صور التمييز من خلال منح عدد من الحقوق للنساء، من قبيل الحضانة المشتركة وحق طلب الطلاق…، وسعت أيضاً إلى تقييد بعض “ثوابت المملكة” مثل تعدد الزوجات، أو إلى منع غيرها مثل الزواج بالقاصرات. لكن على مدى السنوات الثمان التي تلت اعتمادها، ارتفع عدد الزيجات من 7 إلى 12%. وحسب دراسة أجرتها المندوبية السامية للتخطيط في 2012، فإن القضاة قد وافقوا على 36 ألف حالة استثنائية (أي 86% من المجموع)، وهو ما دفع معظم النساء اللواتي تم استطلاع آرائهن إلى القول إن أثر المدونة كان محدوداً فيما يتعلق بتعدد الزوجات والزواج بالقاصرات.

إن ما يحز في نفسي هو أن الفتيات يتزوجن وهن ما زلن قاصرات، وعائلاتهن سعيدة بهذا الأمر. وحتى إذا ذهبت الفتيات إلى المحاكم وسألها القضاة ما إذا كانت تدرك ما معنى الزواج والواجبات المرتبطة به، مهما كانت إجاباتهن فإن آباءهن سيقدمن بعض المال للقاضي الذي سيقوم بتزويج فتياتهن بكل بساطة. بعضهن يتزوج أولاً، ثم يتم تسجيل الزواج لاحقاً (فتيحة، نواحي الرباط)

هذه اللمحة المقتضبة عن التشريعات الوطنية تبين أن الدولة قد فشلت في تعديل الأحكام التمييزية تجاه النساء، وفي السهر على تطبيق التشريعات التي دخلت حيز التنفيذ. ومن ثم يبدو أن الغرض من خطابها حول التقدم المحقق في مجال حقوق الإنسان هو التصدي للانتقادات الدولية والمعارضة الوطنية أكثر من أي شيء آخر.

الدولة ما بين الطموح الدولي والتقاعس الوطني

بالنسبة لجاجلياردي، فإن تبني الخطاب الدولي بشأن حقوق الإنسان والمصادقة على أهم المواثيق المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان لم يسمحا للدولة فقط بالتفاخر بالتقدم المحقق في مجال حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، بل وسمحا لها كذلك بالتغطية على تقاعسها، معللة كلامها بالتصريحات التي يكررها ممثلو المغرب بمقر الأمم المتحدة في نيويورك، والتي وإن كانت طموحة، فإنها تظل غير مثبتة وتفتقر إلى الحجج والبراهين. فخلال عرض تقرير متابعة أمام لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة في 2013، أشار المغرب إلى قرب اعتماد قانون متعلق بمحاربة العنف ضد النساء. وفي السنة التي تلتها، في تقريره المؤقت لسنة 2014 بشأن تنفيذ توصيات الاستحقاق المرحلي العالمي لسنة 2012، عاد المغرب ليؤكد أن “مجموعة من المشاريع والقوانين والقواعد التنظيمية (…) تتم دراستها في البرلمان أو هي في مراحل إعدادها الأخيرة“. لكن القانون 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء لم يصادَق عليه في 2013 ولا في 2014، بل حتى 14 فبراير 2018، أي بعد 5 سنوات من الإعلان عنه.
أما على الصعيد السياسي، ومنذ وصول أول حكومة اشتراكية إلى السلطة في 1997 و2006، ما انفكت السياسات والاستراتيجيات والقوانين تتعاقب لمحاربة العنف ضد النساء دون نتائج ملموسة، ما عدا إحداث كتابة الدولة المكلفة بالأسرة والطفولة الأشخاص المعاقين، وبعض مراكز الدعم النفسي والقانوني، وخط هاتفي دائم مفتوح في وجه الضحايا، وهي أمور ما يزال أثرها على حياة النساء شبه منعدم.

توجد حلول لمحاربة العنف ضد النساء، لكن إذا طلبت المرأة الطلاق، سيأخذ زوجها أطفالها (…) يمكنها الحصول على الحضانة، لكنها ستعيش في خوف دائم من أن يقوم زوجها باختطافهم يوما ما (…) فحتى في ظل وجود المدونة والحقوق، فإنه لا يمكن للنساء أبداً التمتع بهذه الحقوق (مونية، أكادير).

هل قانون محاربة العنف ضد النساء هو مجرد هدف سياسي نهائي؟

يشير تقرير المتابعة الخاص بالمغرب، الذي تم عرضه أمام لجنة الأمم المتحد المعنية بوضع المرأة سنة 2013 إلى أن “ المغرب من بين أول البلدان التي أولت اهتماماً خاصاً لمحاربة العنف ضد النساء، وهذا بفضل جهود فاعلين وطنيين مختلفين، خاصة الإدارات الحكومية والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني والباحثين والإعلاميين”.
لكن يبدو أن الطريق نحو القضاء على العنف ضد النساء ما يزال طويلاً، ففي سنة 2011، وفي إطار « البحث الوطني حول انتشار ظاهرة العنف ضد النساء”، », كشفت المندوبية السامية للتخطيط أن 6 ملايين امرأة مغربية (62.8%) قد تعرضت للتعنيف خلال السنة السابقة (لكن 17.4% منهن فقط قد قمن بالتبليغ عن هذا الأمر للسلطات المختصة)؛ الأمر الذي يشير إلى أن حالات العنف المنزلي تشكل أكثر من 55% من مجموع الحالات (أي 3.7 مليون امرأة)، بينما صرحت 4.6 مليون امرأة بالتعرض للعنف النفسي.

إن سوء تفسير الإسلام والخطب السياسية المحافظة والأبوية والسلطوية بل وحتى غياب الإرادة السياسية لدى الدولة، كلها عوامل يستحضرها البعض لتفسير انتشار العنف ضد النساء، بينما يرى البعض الآخر أن هذا العنف هو نتيجة للخلاف بين الفكر الليبرالي والفكر التقليدي داخل المجتمع المغربي.
من جهتها، ترى الكاتبة أن العلاقات التي تربط بين الجمعيات النسوية والدولة، ورغم أنها تتيح فرص صياغة تشريعات جديدة، لا تسمح بالتركيز على الأسباب الجذرية للعنف ضد النساء، ومن بينها الخوف من فقدان حضانة الأطفال وسبل العيش الأساسية، والعار والخزي الذي تواجهه النساء في مجتمعاتهن، وانعدام المساواة في الوصول للعدالة وسبل الانصاف القضائية، وغياب بدائل للمعيشة والسكن من أجل ضحايا العنف وأطفالهن، وهذا بالطبع دون أن ننسى إفلات مرتكبي أعمال العنف من العقاب.

لقد تعرضت صديقتي للاغتصاب، ثم انتحرت بإحراق نفسها. بعد اغتصابها، تخلى عنها والداها. لقد تحدثت إلى الشاب وطلبت منه أن يتزوجها ثم يطلقها لأن فضلت أن تلقب بالمطلقة على أن تدعى بالمغتصبة. رفض الشاب طلبها، فأحرقت نفسها”. (مارية، منطقة أكادير)

كلمة “طفرة”

في أواخر سنة 2016، بعد ست سنوات من البحث الذي أجرته المندوبية السامية للتخطيط، قامت هيئة الأمم المتحدة للمرأة بإجراء بحث دولي حول العنف ضد النساء في أربع دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. وفي المغرب، لا يبدو أن شيئاً قد تغير منذ صدور بحث المندوبية السامية للتخطيط سنة 2011؛ فأكثر من 60% من النساء اللواتي شملهن البحث أكدن أنهن قد تعرضن لظاهرة العنف بشكل مباشر، فيما أشار 60% من الرجال أنهم لا يجدون عيباً في تعنيف زوجاتهم. وهذا يعني أنه إذا كانت النساء تنتظر قانوناً يعاقب على العنف، فقد كان عليهن الانتظار لخمس سنوات من المماطلة والتوترات والعقبات، حتى يقوم البرلمان المغربي أخيراً في 14 فبراير الماضي باعتماد القانون رقم 03-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء.

وبالنسبة لبسيمة الحقاوي، وزيرة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، فهذا القانون الجديد هو « آلية تشريعية تستجيب لتوقعات العديد من النساء، ولكنه أيضاً وسيلة بيداغوجية ستساعدنا على نشر ثقافة احترام المرأة وإظهار أن ممارسة العنف مرفوضة من طرف المجتمع والدولة معاً». وقد وضحت الوزيرة كلامها من خلال إبراز بعض الأمثلة الملموسة، مثل العقوبات التي فرضها القانون في حال طرد المرأة من بيت الزوجية. وأضافت الوزيرة « إن مدونة الأسرة تمنع الزوج من طرد زوجته من بيت الزوجية، لكن دون فرض أي عقوبات. هذا القانون يتضمن هذه العقوبات ». وفي الواقع، يعاقب القانون بالحبس لمدة تتراوح بين شهر إلى ثلاثة أشهر وغرامة تتراوح قيمتها بين 2000 و5000 درهم في حال قام الزوج بطرد زوجته من بيت الزوجية، لكن الجمعيات تشير إلى غياب أي إجراء لحماية النساء اللاتي تعرضن للطرد. وتواصل الوزيرة “حتى إذا كان زواج القاصر واقعاً ضمن اختصاص مدونة الأسرة، يتضمن قانون محاربة العنف ضد النساء حكماً بمنع الزواج بالإكراه. أما فيما يتعلق بالحماية، فقد تم وضع العديد من الأحكام، مثل إبعاد الجاني عن الضحية بالإضافة إلى تطبيق نظام رعاية شامل”. لكن مجدداً لا يمكن القيام بأي إجراءات إلا في حال تقدمت الضحية بشكوى. وإذا تنازلت الضحية عن شكواها، تتوقف جميع الإجراءات ضد الجاني.

لذلك فمن الطبيعي أن تشعر الجمعيات خيبة الأمل كبيرة، حيث تقول فاطمة المغناوي، مديرة مركز النجدة لمساعدة النساء ضحايا العنف بالرباط: “لطالما قالت الوزيرة إنها أخذت مذكراتنا بعين الاعتبار، لكن هذا غير كاف. نحن نتعامل يومياً مع النساء المعنفات، وكان يجب استشارتنا قبل إصدار القانون“. بينما تشير فوزية العسولي، الرئيسة الشرفية لفيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق النساء إلى أن “هذا القانون هو تقدم بسيط (…) لا يستجيب للمعايير الدولية“.
وتقول سعيدة الإدريسي رئيسة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب “إنه قانون فارغ“، فهو ببساطة “مجرد تعديل للقانون الجنائي“، وقدمت أمثلة عن “الوحدات المختصة المسؤولة عن تلبية احتياجات النساء والأطفال“، المنصوص عليها في القانون، والتي تظل حدود تدخلها غامضة نوعاً ما. وقد كشفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في بيان أصدرته في 26 فبراير الماضي أن “القانون لا يحدد بشكل واضح دور الحكومة في منح الدعم أو الخدمات لضحايا العنف الزوجي، خاصة فيما يتعلق بتوفير الملجأ والرعاية الطبية والدعم النفسي والنصائح القانونية والخطوط الهاتفية لحالات الطوارئ“. بينما وضعت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان تعليقاً لسعيدة الإدريسي تقول فيه: “نحن بعيدون تماماً عن القانون الشامل الذي حصلت عليه النساء التونسيات السنة الماضية، والذي يعتبر أكثر تكاملاً وتناسقاً وطموحاً“. وبالتالي فإن قضية العنف ضد النساء التي تعتبر حجر الأساس في عمل الجمعيات النسوية، يبدو أنها كذلك حجرة عثرة في طريقها.

[1] تم تغيير كافة الأسماء وتعديل الشهادات

لمعرفة أكثر

The Journal of North African Studies, 2017. DOI : 10.1080/13629387.2017.1363649